العمل التطوعي في القرن الواحد والعشرين

العمل التطوعي، أمر فائق الجمال، فيه تنهض الأمم وتزدهر، وبه تدعم أعمدة الحضارات، فينتشر السلام وينتهي الفقر والجوع، ويكون الجميع كالأسرة الواحدة. "شخص سكران يتحدث".
هذا هو الواقع حاليا عندما يتحدث شاب مع زملائه في الكلية او أصدقائه في النادي عن أهمية ان يتعاونوا في تقديم خدمة مجتمعية يساعدون فيها شريحة من المجتمع تفتقر الى تلك الخدمة وليرفعوا من معنوياتهم وتحفيزهم للخدمة الناس، فلا يجد نفسه الا وقبل ان ينهي كلامه حتى يوصف بأنه سكران يتحدث.
"أحلام هذا الذي تقول، ونسج من الخيال، وجهد بلا فائدة"، والكثير من الكلمات المحبطة التي يسمعها الشاب في بلادي عندما يذكر اسم العمل التطوعي.
العمل التطوعي ثقافة حتى الان لا أستطيع القول انها تمكنت من ان تحتل مكانها الحقيقي في تفكير شباب العراق، جراء ما يمر به من صراعات سياسية ونزاعات طائفية وعرقية، كان لها الحجم الأكبر من اهتمام هذا الشباب الذي يراد منه ان يبني وان يعمر البلد وان ينهض بإرثه الثقافي من جديد لحدث حركة نهضة وازدهار وليرفع اسم بلده عاليا بين البلدان.
طالما كانت العرقية والطائفية هي الاهتمام الأول لدى الشاب لن يستطيع ان يقدم شيئا لخدمة بلد يعيش فيه منذ مئات بل الاف السنين أكثر من 5 اعراق وطوائف واديان مختلفة، عندما لا تكون الإنسانية هي الحافز للعمل والعطاء لن يكون هناك تطوع الا لغرض اقصاء الاخر والنيل منه، حتى وان لم تترتب على ذلك فائدة شخصية.
تداعت الإنسانية والتفكير الإنساني عند شباب المجتمع، حتى ان الانفتاح على العالم من خلال الانترنت والقنوات الفضائية سخرت لتكون وعاء لتحفيز الفكر التعصبي للعرق والطائفة، فباتت مواقع التواصل الاجتماعي ما هي الا مساحة للتشهير بالآخر وسبه والنيل منه، لا للتعرف على أفكاره وما يشترك معه فيها ومحاولة إيجاد فرص للتعايش السلمي معه.
ان هذه المقدمة المتشائمة نوعا ما والتي تظهر صورة مظلمة عن الواقع الثقافي عند الشباب العراقي لا تعني انعدام فكر العمل التطوعي والفكر الإنساني في الأساس لدى عدد كبير من شباب العراق.
فما نشاطات تيد اكس بغداد الي تقام بين فترة وأخرى والتي يشارك في كل منها ما لا يقل عن 100 متطوع ومتطوعة من مختلف الأعراق والطوائف والأديان لا يجمعهم الا ايمانهم بأهمية نشر الأفكار الإبداعية وتجارب النجاح لغرض تعزيز الثقافة الإنسانية في المجتمع وليبلغ اجمالي متطوعي تيد اكس بغداد أكثر من 1000 متطوع في مجموع النشاطات سنويا.
وحملة مجتمعية أخرى مبنية على العمل التطوعي تنادي "معا لنخسر السباق" السباق الذي فازت به بغداد بأنها ثاني اوسخ عاصمة في العالم، شباب يتطوعون فقط لينهضوا بثقافة الحفاظ على نظافة مدينتهم لألا تفوز بهذا اللقب مرة أخرى.
وحملة للنظافة في الموصل ولتلوين الشوارع في الديوانية وللقراءة في كربلاء وحملات أخرى كثيرة يتطوع فيها الشباب فقط من أجل تعزيز انسانيتهم في أنفسهم وفي أنفس مجتمعاتهم.
إلا ان الصراعات مازالت قائمة رغم كل المحاولات من هؤلاء الشباب، فالحملات المجتمعية إما فيما بين شباب السنّة او بين شباب الشيعة او بين العرب او بين الاكراد، فلا تكاد تسمع بإقامة حملة يجتمع فيها شباب على فكرة إنسانية لا طائفية ولا عرقية حتى تسمع ان الحملة قد حوربت وتم تصفيتها بالكامل.
الإنسانية والفكر الإنساني موجود الا انه ليس ضمن الأولوية بين الأفكار والتصرفات لذا نجد ان ردود الأفعال لا تنبع عنه.


تم....

Comments

Popular posts from this blog

التبادل الثقافي، توجهات ووجهات

تطور الفكر الداعشي في اوساط التواصل الاجتماعي العربي

مفهوم الغذاء الصحي