التبادل الثقافي، توجهات ووجهات

أزمر، ذلك الجبل الشامخ على بوابة مدينة السليمانية من جهة الشمال الشرقي في إقليم كردستان العراق، كانت على سفحه القرية الألمانية ولمدة عشرة أيام محلاً ومركزا للتبادل الثقافي والاجتماعي بين شبابٍ عراقي كان همه الأكبر ان يظهر بلده العراق كما عرفه الأجداد مهداً للحضارة والثقافة والعلوم والإنسانية، لشبابٍ دانيماركيِ لم يعرف عن العراق الا ما تتناقله محركات البحث على الانترنت من صور عن العراق لا يُرى فيها الا ما تقشعر له الابدان وتنئ الاعين عن مشاهدته.
"مشكلتي أني لا اعرف مصدراً للمعلومة اليوم كالأنترنت في سرعته وقلة تكلفته للتعرف على ثقافات الشعوب، إلا إنه لا يظهر الوجه الحقيقي دوماً لما تبحث عنه، وهذا ما حصل معي عندما حاولت ان ابحث عن الثقافة الدنماركية وطيلة ثلاث أيام من البحث لم أستطع ان اجمع صورة كاملة وحقيقية عن ذلك الشعب" قال مهند 25 عام أحد الشباب العراقي الذي شارك في برنامج التبادل الثقافي مع الشباب الدنماركي.
كسر الجليد هو جل ما كان ينتاب تفكير حيدر حمزوز ذلك الشاب العراقي ذو 26 عام فقط ليتأكد انه لا حواجز نفسية ستكون بين الشباب العراقي والدنماركي وخصوصا في اليوم الأول من اللقاء لما يؤثر الانطباع الأول على العلاقات خصوصاً التي تكون في إطارها العام والمبدئي قصيرة العمر كالعشرة أيام التي امتد لها برنامج التبادل الثقافي بين العراق والدنمارك الذي شاركت في الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي كمنظمة ومساهمة في إنجاح المشروع، فلم يكن الا لرشاش مهند المائي في بكرة الصباح موقظاً الشباب الدنماركي وعدسة الباقر جعفر مصوراً إياهم يقفزون هرباً من الماء الا ان يكوّنا مطرقةً تحطم الجدار الجليدي بين الشباب حتى قبل ان يكون له وجود؛ ليكون الفرح والمزاح هو الطابع السائد طول فترة البرنامج.
الملحمة الكبرى دوماً ودائما وفي كل صباح كانت وجبة الإفطار، فقبل الخلود الى النوم كان يقرر من يتطوع لتحضير الإفطار صباح اليوم التالي، وبالتالي سيترتب عليه ان ينهض قبل الجميع ليبدأ الطبخ والنفخ والتأكد من ان المائدة تحتوي على اطباق إفطار عراقية وأخرى دنماركية مما يعزز عملية التبادل الثقافي حتى من خلال أنواع الطعام والأغذية التي يهتم بتناولها أبناء الثقافتين المختلفتين وحتى في طريقة تحضير الطعام وليس فقط في نوعه.
"إن الحماس الذي نعيشه يومياٌ لنتعلم منكم ونتعرف على ثقافتكم هو الحافز الأكبر لنا للمشاركة في البرنامج، وان التنوع الثقافي الكبير الذي يوجد في العراق لا يترك لنا مجالاً لنرتاح من التجول في الأسواق والاستماع الى مختلف الأغاني، تناول الاطعمة ومشاهدة الازياء التي تعرضوها لنا" قالت ميكيلا الشابة الدنماركية 21 عام في نهاية ليلة خصصت لعرض شيء من الثقافة العراقية.
العمل كفريق حول قصة او موضوع معين بغرض انتاج منتج يناقش في اعداده واخراجه النهائي التوجهات المختلفة لوجهات النظر عند العاملين على المشروع، وهذا ما كان عليه حال المشاركين الذين كانوا ينقسمون عند الصباح لمجموعات منها ما يناقش الحريات العامة والخاصة ومنها ما يتعرف على الحياة اليومية لفرد عراقي وآخر دنماركي وماهي هي اهتماماته وشواغل فكره، "ان ما أشاهده من تفاعل بين الشباب من خلال عملهم في الفرق يملأني فرحاً وانبهاراً بكبر النتائج التي حققوها في غضون أيام قصيرة" حديث ميا باير 33 عام مشرفة على التدريب المهني للشباب المشارك في البرنامج.
"مما يثير تعجبي جداً واستغرابي هو مقدار الفرح والسعادة والضحك والمزاح الذي تشاركونه معنا، عندما أتيت الى العراق لم أكن أتصور أنى سوف أرى هذا المقدار من الفرح في وجوهكم، فلا يصل الينا الا ما تتناقله القنوات الفضائية من اخبار تظهر سوء الوضع في العراق" انيكا 22 عام شابة دانيماركيا في رحلة لتناول السمك المشوي بين جبال شاخا سوور.
هذا هو حالنا، نعيش في ضوضاء الإرهاب والاقتتال السياسي، ونعمل على ان تصدح ضحكاتنا بما يغير هذا الواقع المرير. وهذا ما نجحنا في ان نعكسه ونغرسه في قلوب الشباب الدنماركي وهو انه هناك وجه آخر للحياة في العراق لا يمكن ان تشاهده الا بان تختبره وتعيشه على ارض الواقع، "كل ما نريد هو ان نعيش، وان نمتلك حقوقنا في عيشنا لا ان نذل فيه" الباقر جعفر 20 سنة شاب عراقي دمعت عيناه لما تذكر مرارة ما يحاول ان يظهر عكسه في أفلامه القصيرة التي يخرجها للمجتمع.

Comments

Popular posts from this blog

تطور الفكر الداعشي في اوساط التواصل الاجتماعي العربي

مفهوم الغذاء الصحي